" أسرعوا ! إنهُم قادمون ! " ومن هنا تبدأ قصتنا ..
كان الهدوء يعم البحار حتى جاء ذاك اليوم المشؤوم، مملكة حُكمت بالعدل والإنصاف لسنوات ، تسقط اليوم بدون رحمة بسبب الجشع ، البشر وأنصاف السمك يتقاتلون ، وكمَا يُقال ! " البقاء للأقوى ! "
أُدعى (لوراين) وأنا إحدى تلك الكائنات التي نجت بصعوبة ! ، ولولا ذلك الشاب اللطيف لما بقيت على قيد الحياة اكتب مذكراتي الآن ، الحياة أصبحت قاسية تحت البحر ، واحتمال انقراضنا أصبح كبيراً جداً .
لقد ذهلت حقاً عندما حكى لي (رايان) ما حدث على اليابسة ، إن لدى البشر عقلاً مدهشاً ! ، ولكن ما يدهش أكثر هو بعض تصرفاتهم التي لا أجد لها تفسيراً !
إكتشافهم العظيم حول ذلك العقار قد غير العالم كثيراً ، ولكن للأسوأ مع الأسف..
فمنذ ذلك اليوم ونحن والبشر في صراع دائم ، الكفتان متوازنتان ، لا أحد يعلم متى أو لمن ستكون الغلبة فالنهاية.
أرى ظلاً قادماً من خلف الصخرة التي اختبأت خلفها .. ترى من يكون القادم ؟..
> وبعد يومين <
" استيقظتي اخيراً يا لوراين ! " قالها ( رايان ) وهو مبتسم
( لوراين ): " ما الذي حدث ؟ وكيف علمت بإسمي ؟ "
( رايان ): " لقد وصل جنود البشر إليك لذا خدرتك بأقرب ثعبان لاسع وأخبرتهم بأنك ميتة حتى لا يقتلوك، أما اسمك.. فهو محفور على الخاتم الذي ترتدينه "
( لوراين ): " آه نسيت ذلك، شكراً لك .. " وبعد صمت دام لدقيقتين قالت: " لماذا تحميني ؟ "
( رايان ) نظر إليها مطولاً ثم قال: " وكيف لا أفعل ذلك ؟ هذا وطنكم ونحن من دخلنا له بلا إذن ومن حقكم طردنا ، إلا أن بعض أطماع البشر لا حدود لها ولا تفكر إلا بالسلطة وتملّك أي شيء "
وعندما أنهى جملته، دخل عليه بشري مفتول العضلات ذو شعر بني ، انتفض ( رايان ) ووقف أمام الحورية ذات الشعر الأحمر وقال: " لا تقتلها ! "
( روبرت ) وهو غاضب: " من هذه ؟ ولماذا تحمي نصف السمكة ! "
( رايان ): " أنا معهم وسأقف ضدكم ! إن هذا وطنهم ولهم الحق في العيش فيه بسلام ! ، أخي أرجوك ، لقد كنا مثلهم في الماضي ، مدينتنا أحرقت ، أهلنا قتلوا ، أرجوك ، انهم يعيشون الآن كما كنا نعيش نحن .. " وأنزل رأسه وهو يكتم دموعه التي لن تظهر تحت البحر
( أخوه ): " إن الأرض ملكنا ولا مكان لأنصاف السمك بيننا "
( رايان ): " ولكنهم أنصاف بشر كذلك ! وهذا يعني أنهم من فصيلة البشر أيضاً ! "
( روبرت ): " لن أناقش هذا معك وستقتلها الآن ! "
( رايان ): " لن أفعل !، ولن تستطيع اجباري على ذلك "
خرج أخوه من ذلك الكهف وهو غاضب.
وقفت ( لوراين ) عند فوهة الكهف البحري وقالت: " شكراً لك على مساعدتي، يجب ان اذهب الان "
( رايان ) وهو يلحقها: " الى أين ؟ اسف لإخبارك بهذا الأمر.. ولكن.. لقد مات الكثير من شعبكم وهم الآن يبحثون عمن هربوا ليتخلصوا منهم تماماً .. "
صعقت ( لوراين ) من هذا الخبر وانهارت على الارض وبدأت بالبكاء وهي تقول: " لماذا تفعلون كل هذا بنا ؟ لم نفعل لكم شيئاً لتقتلونا بهذه الوحشية ! "
لم يعلم ( رايان ) ما يجب عليه فعله ولكنه بدأ بالتخفيف عنها وذهب لأخوه ليطلب منه ترك البقية والعودة الى اليابسة، إلا أن اخاه قد رفض ذلك.
( روبرت ): "أغرب عن وجهي، إن هذه الأرض ملكنا ولا مكان لأنصاف السمك فيها "
لم يرد ( رايان ) أن يتشاجر معه وعاد الى ذلك الكهف الذي ترك فيه تلك الحورية إلا أنه كان خاوياً فذهب للبحث عنها كثيراً ولم يجدها.
وفي احدى المناطق النائية في البحر العميق، وتحديداً في كهفٍ خلف جبل كبير، كان هناك عدد لا بأس به ممن هرب من بين ايدي البشر التي فتكت بمعظم شعب الحور.
دخلت ( لوراين ) ذلك الكهف لتجد شعبها متفرقاً وفي حيرة من امرهم حول ما يجب فعله ضد البشر.
( حورية صغيرة ): " أمي.. انا جائعة "
سمعتها ( لوراين ) وقالت لها: " لا تقلقي يا صغيرتي، سأذهب لأحضر لك بعض الطعام "
حاولت الأم منعها إلا انها افلتت وذهبت للبحث عن طعام يكفي الصغار على الاقل، لم تلبث في البحث قليلاً حتى أمسك بها ( روبرت ) من الخلف وتحدث بغضب: " لم يقتلك اخي اذاً، سأقتلك بنفسي الآن ! "
رفعت الحورية يدها لتحمي نفسها إلا أنه لم يحدث لها شيء... بل أمسك ( روبرت ) يدها وسألها بتعجب: " من أين لكِ بهذا ؟ "
( لوراين ) وهي في حيرة من امرها: " لقد.. لقد اعطتني اياه بشرية منذ خمس سنوات.. "
ذهل ( روبرت ) ولم يصدق ذلك، وسحب الحورية معه بصمت الى الكهف الذي أصبح سكنه هو وأخوه.
ما إن دخل البشري ومعه الحورية حتى صرخ ( رايان ): " ها أنتِ ذا ! إلى اين ذهبتِ ؟ " ثم انتبه الى اخاه وقال: " أخي ! ارجوك لا تقتلها ! "
( روبرت ): " لن أقتلها.. "
تعجب ( رايان ) كثيراً ولكنه لم ينبس ببنت شفة.
( لوراين ): " لماذا أحضرتني الى هنا ؟.. يجب علي الرحيل لدي ما أفعله.. "
( روبرت ): " لقد تذكرت الآن.. لقد كانت أمي تحدثنا في صغرنا عن الحوريات.. وأكثر ما كانت تحدثنا عنه هو عن تلك الحورية التي انقذتها من الغرق في البحر بعد تحطم السفينة بسبب العاصفة.. "
ابتسم ( رايان ) وقال: " هل فهمت الآن لماذا أحميها .. "
( روبرت ): " وهل كنت تعلم أن هذه الحورية هي من أنقذت أمنا؟؟ لماذا لم تخبرني بذلك!! "
تفاجأ ( رايان ) ورد عليه: " لم أكن أعلم!! " ثم التفت إلى الحورية وسألها: " أحقاً ذلك؟؟ هل أنت تلك الحورية التي ساعدت أمي؟؟ "
( روبرت ): " انظر الى يدها.. إنه خاتم زفاف أمي.. الخاتم الذي لطالما أحبته كثيراً ولم تخلعه إلا عندما رأت هذه الحورية تحدق به.. "
نظرت الحورية الى يدها حينما تذكرت ذلك اليوم الذي انقذت فيه بشرية من الغرق وقد أعجبت بهذا الخاتم فأعطتها هو تعبيراً عن امتنانها.
( روبرت ): " لقد نسيت أن أمي كانت تحكي لنا قصصاً عن الحوريات إلى أن رأيت الخاتم في يدها... "
( رايان ): " هذا يعني أننا لن نقتلها صحيح ؟ "
( روبرت ): " كيف لنا أن نقتل منقذة أمي ؟ " ثم تذكر أن والده أيضاً قد أُنقذ على يد أحدهم، فقال: " يجب علينا حمايتهم الان.. لقد أنقذو أمي وأبي ويجب علينا رد الجميل لهم.. "
( لوراين ) وهي تسأل ( رايان ): " ماذا حدث له ؟ "
ضحك ( رايان ) وأجابها: " رغم قسوته أحياناً إلا أنه طيب القلب وسيساعدكم، ولكن أخشى أن تكوني آخر من بقي من شعبكم.. "
( لوراين ): " نسيتهم! ، لقد بقي عدد لا بأس به منا وهم الآن مختبئون في مكان لا يمكنكم الذهاب اليه وقد وعدتهم بأن أحضر الطعام لهم ! " وتهم بالخروج من الكهف مسرعة فيوقفها ( روبرت ) ويقول: " سنساعدك ولكن لدي سؤال ، لماذا لا يمكننا الذهاب إليه ؟ "
( لوراين ): " هذا لأن اجسادكم لن تتحمل الضغط العالي هناك وهذا اقصى ما تستطيعون تحمله "
( رايان ): " لا بأس ، سنساعدك في إحضار الطعام "
وذهب ثلاثتهم للبحث عن الطعام قرب مكان تجمع الحوريات حتى اذا جاء بشري اختبأت ( لوراين ) فيه.
وبعد يومين قضاها البشر في البحث المتواصل عن الحوريات لم يعلمو مكان اختبائهم، وقد ابقى ( رايان ) وأخوه هذا الأمر سراً حتى يستطيعو رد الجميل اليهم وانقاذهم.
اعتقد البشر انهم قد قضوا على كل الحور لذا لم يلبثوا طويلاً حتى تفرقو واختار كل منهم كهفاً ليعيش به، فالحياة تحت البحر جديدة عليهم ولا مانع من التجربة.
ولكنهم لم يعلمو بالأخطار المهددة لهم ولم يحسبو لها حساباً.
لقد مكث البشر في البحر حوالي الثلاثة أشهر وفي تلك الأيام التي يكون فيها القمر مكتملاً، يختفي من البشر ما يقارب ١٠ الى ١٥ شخصاً، ولم يعلمو السبب في ذلك وانتشرت القصص الخرافية عن لعنة حلت عليهم بسبب الحور، عندها قرروا ان يتناوبو في السهر لمعرفة السبب ووضع حد لتلك القصص، وعندما تم تنفيذ ذلك، كانت المفاجاة... في تلك الليلة التي تناوبو فيها اكتشفوا أن لدى أسماك القرش ساعة من الليل تتحول فيها الى قروش مسعورة شبقة للدم ويطفؤها قلب بشري، لذا فكانت تلتهم البشر.
لم يعرف البشر كيفية ايقافهم وقد حاولو بشتى الطرق ان يمنعوا حدوث ذلك الا أن القروش أقوى مما يستطيعون، لذا قررو مغادرة البحر حتى يجدو طريقة ما لايقافهم.
وفي تلك الأثناء التي بقي البحر آمناً من البشر ، ذهب ( رايان ) وأخوه للتحدث مع تلك الحورية وعندما علمت بالأمر نقلته لشعبها الذين خرجو من الكهف سعداء بالعودة الى ديارهم مؤقتاً، ولكن هذه العودة لم تكن لأجل الترفيه.. بل لاتخاذ اجراء نهائي ضد البشر !
لقت قتلت ملكة الحور لذا قامو بتعيين ابنتها التي بلغت سن الرشد في ذلك الشهر.
( رايان ): " انا اسف لعلمي بأن ملكتكم قد قتلت.. ولكن.. ألم تعينو ملكة أخرى ؟ "
نظرت اليه ( لوراين ) وقالت وهي تفكر بالخطة: " إنك تنظر إلى الملكة الجديدة الآن.. اسمع لدي خطة أظن انها قد تجدي نفعاً.. "
( رايان ): " آمل ألا يكون فيها قتل بني جنسي.. "
( لوراين ): " لا تقلق، فأنا لا احب العنف في كل الأحوال.. سنعقد اتفاق معهم، سندعكم تعيشون بيننا وتحت رعايتنا ولكن بشرط عدم قتلنا او التعرض لنا ومقابل ذلك سنعطيكم الترياق لتلك القروش التي كانت تلتهمكم واحداً تلو الآخر "
ضحك ( روبرت ) بصوت عالٍ وقال : " لا أظن أنهم سيوافقون على ذلك، فهم لم ولن يقتنعوا بوجود أنصاف سمك أو بشر فالحياة "
( رايان ): " بعض البشر يعتقدون أن البقاء للأقوى وأنهم الأقوى ولهم الحق بامتلاك كل شيء، لذا علينا كسر ذلك المفهوم عندهم، يجب أن تأتوهم بالقوة "
( لوراين ): " إذاً ماذا سنفعل ؟ هل نقتل أحدهم مثلاً ليعتقدو أننا أقوى منهم ؟ هل نصبح وحوش البحر السفاحين حتى نعود لوطننا ؟ هذا ليس حلاً ! ، لا القوة ولا العنف يحلان كل شيء ! "
( رايان): " لا، لن يقتل أحد، ولكن إن لملمتم شتات أنفسكم وأتيتونا بأعداد هائلة فلن نستطيع أن نقف ضدكم وسينسحبون بالتأكيد، خاصةً وأن الترياق لم ينشر خبره الا على أولئك الذين أتو "
( لوراين ): " وكيف نضمن أنكم لن تعودو بأعداد تفوقنا بعد نشر طريقة ذلك العقار ؟ "
( روبرت ): " صديقي هو من صنع ذلك العقار، ولكنه لم يكن يعلم بأن هناك من سيستعمله لهذا الغرض ويقوم بالمجزرة التي حصلت هنا من أشهر ، سأخبره بما حدث ولا أظن انه سيصنع المزيد منه لذا فلن يستطيع احد القدوم الى هنا سوى من شربه من قبل "
( لوراين ): " إذاً ؟ هل أستطيع الاعتماد عليكما ؟ "
( رايان ): " وما رأيك أنتِ يا جلالة الملكة ؟ "
حملقت ( لوراين ) فيهما مطولاً وقالت بعد تفكير: " لا أظن أن هناك ما نخسره، ولكن من واجبي حماية شعبي لذا أحذركم! إن قمتم بخداعي وأتيتم بأعداد كبيرة فلن تكون النهاية سعيدة !.. "
ابتسم ( رايان ) وخرج هو وأخاه من البحر وبدأوا بتنفيذ ما قد اتفقوا عليه.
بعد خروج كل منهما، اجتمعت الملكة ( لوراين ) بعدد من شعبها الذين تثق بهم لوضع خطة بديلة اذا ما خدعوهم.
وبعد أسبوع، عاد ( رايان ) الى مملكة الحور ليبشر الملكة بموافقتهم على مااقترحوه.
( رايان ): " لقد وافقوا !، عندما تركناكم ذهبنا وأخبرنا صديق أخي بما حدث فتوقف عن صنع ذلك العقار وأتى معنا لرؤيتكم، لم نتوقع أن هناك عدداً كبيراً منكم.. لذلك قرر التوقف عن صناعة ذلك العقار وقد هدد من شربه بالنزول الى هذا البحر "
( لوراين ): " هذا جيد ! أشكركم جميعاً بالنيابة عن شعبي، لقد قدمتم الكثير لنا "
وعادت المياه الى مجاريها في ذلك الوقت.
وبعد سنتين، وبعد ان اطمأن شعب الحور واستقروا من جديد، أتت خادمة الملكة وقت غدائها وأبلغتها بالصدمة الكبرى..
لقد عاد البشر الى البحر بعدد يفوق المرة السابقة بأضعاف، وهذه المرة، لدى كل منهم محراب.. انهم عازمون على إبادة كاملة لشعب الحور !
( لوراين ): " لا أصدق هذا.. لقد خدعنا.. "
خرجت الملكة من قصرها الكريستالي الذي تم بناؤه امتناناً من شعبها لها، وقامت بإخلاء كامل لمن بقي من شعبها إلى ذلك الكهف خلف الجبل الكبير.
لقد تناقصت أعدادهم ولم يبقى الا خمسون حورياً أو أقل، وعندما تأكدت الملكة من دخولهم الى ذلك الكهف نظرت في الأفق ورأت ( رايان ) وأخوه واقفان، حاول ( رايان ) اللحاق بها الا أن الملكة أعطته نظرات غضب وحسرة ودخلت الى ذلك الكهف دون ان تنطق بشيء ..
コメント